يا بووووووى يا مصر أما الواحد بيحبك حب

Thursday, March 17, 2005

وتحرك المترو

تكاد تخلو الشوارع من المارة، تهدأ حركة المرور،يخيم الهدوء علي المكان، لا تسمع صوتها إلا إذا اقتربت، أسمع أصوات لمبات الجاز، يجلس باعة الفاكهة بلمباتهم التي تقتل الصمت الرهيب، تقترب خطواته أكثر من المحطة، يري شخصاً آخر، إنه متجه إلي المحطة أيضاً، يصل، يقطع التذكرة، يقف منتظراً.

يحمل الشيخ أكياساً كثيرة، تفوق وزنه بقليل تقريباً، ويحس أنه سيسقط من شدة التعب، إنه رجل قوي، أبدت يداه اعتراضهما؛ فكادتا أن تلامسا الأرض من ثقل الحمل عليهما. يرتدي جلباباً أبيض، لحيته ناصعة البياض، يبدو أقصر من طوله الحقيقي؛ لإنحناء ظهره، جسده نحيل، يبدو في عينيه أثر الزمن، فيهما مسحة حزن، يبدو أنه يعيش وحده، وأغلب الظن أنه تجاوز العقد السابع من عمره ببضع سنوات.

تشير عقارب ساعة محطة الملك الصالح إلي الساعة الواحدة إلا الربع بعد منتصف الليل. يقف علي رصيف المحطة المؤدي إلي اتجاه حلوان ناظراً إليه في ترقب، يسير علي الرصيف المقابل، خطواته متمهلة وثقيلة، يتجه نحو درجات السلم، يأخذ في متابعته بعناية، يسرع من خطاه، الحمل لا يساعده، لا يستطيع أن يبعد عينيه عن مراقبته، يشق نور مترو الأنفاق القوي ظلام الليل الحالك.

يمر الناس إلي جواره مسرعين للحاق بهذا المترو، فهذا هو آخر مترو. يصل المترو المحطة، يتوقف فاتحاً أبوابه لمن يرغب في استقلال إحدى عرباته، تبقي للشيخ في هذه اللحظة من درجات السلم درجتان أو ثلاث، يطلق سائق المترو صفارة الإنذار بغلق الأبواب، يُغلق الباب قبل أن يلحق به الشيخ، يقف خلف زجاج باب المترو ينظر لهذا الشيخ في تعجب؛ ترتسم علي شفتيه ابتسامة عريضة، وتحرك المترو بطيئاً ثم ازدادت سرعته حتى اختفت هذه الابتسامة المحيرة.